الساسة المصفدون

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
16/11/2007 06:00 AM
GMT



قال لي وهو يحاورني ؛ ألم يقرأ ساستنا بعضا من الحكم و المواعظ التي تعينهم على ادارة دفة الحكم ..؟ بل وتعينهم على دفع المكاره التي تحل بالوطن هنا او هناك ؟

قلت : مثل ماذا ؟ فهناك الآف الحكم والامثال التي تمر امام الساسة او غيرهم ؟!

قال : صدقت ؛ ولكن هناك حكما لا تبتعد عن دائرة الحوار الذي يدور بيننا هذه الايام بالذات حيث شبح حرب أخرى يطل من شرفات الجبال ؛ بعد ان يأسنا من اصلاح فوضى الحكم التي تعم البلاد والعباد !!

قلت : هات ما عندك في دائرة المحيط الذي ندور في زواياه بحثا عن بصيص أمل !

قال :خذ هذه المجموعة وهي في الصميم من الاحداث المتسارعة : ـــ ( يوم لك ويوم عليك ؛ المرء حيث يضع نفسه ؛ رأس الجهل الاغترار ؛ ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه؛ درهم وقاية خيرمن قنطار علاج ؛ الندم على السكوت خير من الندم على الكلام ؛ اصلاح الموجود خير من انتظار المفقود ؛ آفة الرأي الهوى ؛ من غضب من لاشيء رضي بلا شيء ؛ ظل السلطان سريع الزوال ؛ الظلم أسرع شيء الى تعجيل نقمة وتبديل نعمة ؛ أعط القوس باريها ؛ أرسل حكيما ولا توصه ؛حرر قلبك من الكره ؛ المبني على الباطل ..باطل . )

قلت : حقا انها حكم تنطبق على واقع الحال لو يعقلون فيتدبرون .. أما انا فأضيف اليك من الذاكرة ما قد ينفع في هذا المجال من العبر : ايام الدراسة القانونية في كلية الحقوق ؛ كان كل من استاذينا العميد منير القاضي وحسين علي الاعظمي يرددان علينا ما يتوجب حفظه عن ظهر قلب من القواعد الكليةالتي حملتها قواعد ( المجلة ) لاجيال ثم نقلت بعضها فيما بعد نصوص في القانون المدني ؛ ومنها : ( لاينسب لساكت قول ؛ لا عبرة بالظن البين خطؤه ؛ اعمال الكلام خير من اهماله ؛ العبرة بالمقاصد والمعاني لابالالفاظ والمباني ؛ من استعجل الامر قبل اوانه عوقب بحرمانه ؛ التابع تابع ولا يفرد بالحكم ؛ ... الخ ) .

قال : هل ان كل الساسة يعون مثل هذه الحكم والقواعد ؟ فاذا كان الامر كذلك اذن لماذا لا يتخذونها سبيلا يمنع الرجس ؛ اوالامعان في الخطايا او حتى الشطط ؟

قلت : ليس الامر بهذه الصورة ! هناك من الامعات من زج بهم في خضم السياسة أو الحكم ؛ لنفوذهم المسربل بالجهل والغرور ؛ وهناك من بهلوانات السياسة من كان يدرك تماما جوهر تلك الحكم والقواعد ؛ ولكنه دخل هذا القبو العفن مصفدا بارادته او بارادة من جنده لهذا الموقع . فأذن هناك ثلاثة مجاميع من هؤلاء

الساسة ؛ ... مكبلون بامر المحتل اساسا ؛ مكبلون بالتبعية ؛ ومكبلون بارادتهم !! وعليه فلابد من امعان النظر في كل هذه النماذج من خلال السؤالين التاليين : ــ

هل ان جل هؤلاء الساسة مخيرون ام مسيرون ؛ وهل ان القيود التي وضعت على معاصمهم كانت كلها قسرا وجبرا ؟! أم كان بعضها رغبة وتسابقا مع الاخرين في اظهار الولاء والطاعة .

قال: وماذا ترى انت في مثل هذا التشابك المذل ؟!

قلت : للاجابة على مثل هذا السؤال الجوهري لابد من العودة الى تسلسل الاحداث والوقائع ! لنتبين ما هي المؤثرات الاساسية التي ادت الى تصفيد اؤلئك الساسة ثم دفعهم نحو ذلك المنزلق الخطر :ــ

اولا ـ الاحتلال : ـ لقد شل الاحتلال الارادات وبخاصة تلك التي جاءت او تعاونت معه قبل غيرها ؛ وقد بدا ذلك واضحا من لحظة تكوين ما سمي ب ( مجلس الحكم ) والقبول بقانون التمزيق الملغوم المـــعروف بـ

( قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية ) المشؤوم ؛ ثم بالدستور المعوق المترهل الذي اصبح فيما بعد عائقا اساسيا دون التحرك والانفراج على الآخرين ؛بل واصبحت القوانين التي صدرت عنه ؛ ومنها بالذات قانون الانتخاب طوقا فولاذيا يحول دون تحقيق ارادة المواطنين في انتخاب نوابهم وصل الى درجة عدم معرفة الناخبين حتى باسماء من ينتخبون .

ثانيا ـ ان لكل من العرقية والطائفية والاثنية وتوابعها وتشكيلاتها ؛ اصفادها التي تتحكم بحرية حركة بعض الساسة ؛ الذين خططوا لها وجاهدوا في سبيل تثبيتها على كل جزء من توجهاتهم ؛ ظنا منهم بأنها ستحميهم وتحقق لهم نفوذهم الابدي .

ثالثا ــ ان حل الجيش العراقي وجملة من مؤسسات الدولة الاخرى ؛ وغلق المصانع والمعامل ؛ وتشريد الطلبة والتلاميذ في الشوارع ؛ ادى الى بطالة واسعة اضطرت الى الانخراط في مهام لاعلاقة لها بتنظيم الدولة او القوانين المرعية ؛ وبالتالي تحولت تدريجيا الى عبء ثقيل على الجهات التي ترعاها ...؛ والى اصفاد اضافية على ايدي الساسة الذين باركوا تلك الفوضى .

رابعا ـ لقد اعتمدوا على قوى تابعة ؛ دججوها بعناصر اساسية ثلاثة هي (السلاح المبذول والمال المنهوب والسلطة المباحة ) ؛ وهي بذات الوقت مكبلات حقيقية وواقعية لهم ؛ لايستطيعون منها فكاكا ؛ ولا تنصلا ؛لانها أنشأت اصلا على قاعدة تبادل المصالح المادية والطائفية والعرقية والشخصية والحزبية الضيقة .

خامسا ـ لقد ظن بعض الساسة التوابع قصيري النظر ؛ ان التهجير قسرا ( بشتى الحجج ووالاساليب اللاأنسانية )لاكثر من اربعة ملايين عراقي ؛ هو اطار عام كان الهدف من ورائه ايضا التخلص العاجل من خيرة ابناء العراق كفاءة في مختلف المجالات والاختصاصات العلمية والصحية والثقافية والاقتصادية والتربوية ... بحيث يتم لبعض هــــؤلاء ( الساسة الحفاة ) التصرف المطلق بالبلاد من دون حسيب او رقيب ؛ ولكن ثبت بعدئذ ان مثل هذه الخطط الهمجية كانت بحد ذاتها اصفادا اضافية ؛ حددت تحركاتهم ؛ وشرنقت وجودهم ؛ وعرت كفاءتهم ؛ واغلقت عليهم سجون الذات الخائبة .

سادسا ـ لقد لعبت المحاصصات ؛ دورا مرعبا في تشديد نطاق حرية التحرك والتناور في مختلف المواقف ؛ فقد ضيقت الخناق على الساسة وجمدت رغباتهم ؛ وتركتهم مسلوبي الارادة لايخطون خطوة واحدة الا ويحسبون لاطراف شركاء المحاصصة الاخرى ألف حساب . ومنها ؛ ان هؤلاء الساسة لم يستطيعوا التصدي لظواهر بارزة للعيان مثل ذبح عشرات الاساتذة الاكادميين في وضح النهار ؛ او طلب اطلاق سراح المحجوزين والموقوفين دونما اي ذنب اقترفوه ؛ ليس من سجون الاحتلال وحسب ؛ بل حتى من اقبية وكهوف سلطات الحكم المتعاقبة .... الخ

سابعا ـ ان اباحة المال العام بتلك السهولة من النهب والسلب وبمختلف الاساليب العلنية المفضوحة و التي لم يسبق لها مثيل في التأريخ ( والمعاصر منه بالذات )؛ ربطت كثيرا من ساسة الوضع الراهن الى مقاعدهم السلطوية مكبلي الايدي ؛ ظنا منهم أن الحساب سوف لن يطالهم ؛ اذا ما جعلوا الحكم حاميهم وحارسهم .

ثامنا ــ ان التشريعات الغارقة في رجعيتها ؛ والسالبة لارادة الشعب ؛ سياسيا واقتصاديا ؛ قد وضعت ؛ (وستضع مستقبلا )؛ اصفادا اخرى على ايدي الذين باركوها وصوتوا لها .

تاسعا ــ ان خضوع الساسة ( وحتى الذين يدعون الحرية الذهنية والشخصية مظهرا ) الى ارادات الذين يعيشون في كهوف الجاهلية من الذين يكتمون الانفاس ؛ ويغرقون الشعب العراقي في ظلام من التقهقر الدامس ؛ بعيدا عن مهرجان المدنية المتلألأ بأنوار الحياة المتدفقة بالحيوية والنشاط الثقافي والفني والاجتماعي الذي عرفه العراقيون أبدا ؛ انما هو تكبيل للحريات العامة والخاصة قبل ان يكون تكبيلا لساسة الوضع الشاذ.

ان جميع الحالات التي أتينا على اهمها ؛ من دون الخوض في تفرعاتها الكثر ؛ انما هي مسالك مغلقة متداخلة ملتفة على بعضها ؛ ( مثلها كمثل حزمة من الافاعي الخبيثة السامة التي أطبقت على فريستها في ليل بهيم فلا تستطيع منها افلاتا ) ؛ وتلك حالات لايمكن التخلص منها الا بارادة وطنية موحدة واعية تتولى بحزم تفكيك كل تلك العوامل المشينة التي أدت الى هذه الفوضى المدمرة وذلك من خلال الاجهاز على مسبباتها ودوافعها ومخططاتها وركائز تنفيذها ...؛ بدءا من لحظة ما سمى بـ( الصدمة والرعب ) المتوحشة وحتى هذه الايام البائسة الكئيبة التي يعيشها الوطن مضرجا بدمائه وشقائه .

وبعد هذا وذاك ماذا ياترى باستطاعة تلك الامثال والقواعد الكلية التي جأنا على ذكرها تمهيدا ؛ ان تصنع مع ساسة رموا خلفهم كل ما يعينهم على التشبث حتى بقيراط من الحكمة ؛ وراحوا يتمسكون بكل ما اوتوا به من قوة بسلاسل الاصفاد التي كبلوا بها و التي احالتهم مع الزمن الى ادوات شطرنج مسلوبة الارادة الذاتية ؛ منزوعة القرار الصائب .